فصل: بَابُ الْمُتْعَةِ وَالْمَهْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ:

(قَالَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشِّيعَةِ عَلَى فَصْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَهُمْ لَا يَقَعُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَنَا وَالزَّيْدِيَّةُ مِنْ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ تَقَعُ وَاحِدَةً وَالْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَهُوَ افْتِرَاءٌ مِنْهُمْ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الثَّلَاثَ جُمْلَةً تَقَعُ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَشُبْهَتُهُمْ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَالْمَأْمُورُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ الْوَكِيلُ إذَا أَوْقَعَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ فَكَذَلِكَ الْمَأْمُورُ شَرْعًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ أَمْرَ الشَّرْعِ أَلْزَمُ وَلِأَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ بِالْإِذْنِ شَرْعًا وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَا يَكُونُ نَافِذًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَرْفَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّهْيَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَا يَتَحَقَّقُ لَا يَكُونُ فَإِنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْمَنْهِيُّ فِيهِ مُخْتَارًا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ إذَا انْتَهَى وَيَسْتَوْجِبَ الْعِقَابَ إذَا أَقْدَمَ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَحَقِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فِي الِانْتِهَاءِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَعْدَمُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ شَرْعًا كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ عِنْدِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُنَا النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَوْ سَدِّ بَابِ التَّلَاقِي عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَمْنَعُ النَّفَاذَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ فِي الْكِتَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَنْفُذُ وَهُنَا تَصَرُّفُ الزَّوْجِ بِحُكْمِ مِلْكِهِ، وَهُوَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ صَارَ مَالِكًا لِلتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْمِلْكُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا وَلَا مَأْذُونًا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُتَحَقَّقَةٍ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تَمْلِيكُ الْأَمْرِ مِنْهُمَا وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الرَّجُلِ فِي حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَبِهَذَا وَنَظَائِرِهِ اسْتَشْهَدَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَلْزَمُهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا، وَفِيهِ لُغَتَانِ حِدَادٌ وَإِحْدَادٌ يُقَالُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ تَحِدُّ وَحَدَّتْ تَحِدُّ وَكِلَاهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَهَذَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَتْ بِطِيبٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمَسَّتْهُ عَارِضَيْهَا وَقَالَتْ مَا بِي حَاجَةٌ إلَى الطِّيبِ وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِاكْتِحَالِ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» الْحَدِيثَ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَعَلَيْهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ الَّذِي وَفَى لَهَا حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَفَاهَا وَآثَرَ غَيْرَهَا عَلَيْهَا فَإِنَّمَا تُظْهِرُ السُّرُورَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهُ دُونَ التَّأَسُّفِ.
(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» فَإِنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْحِدَادَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ الْحَلَالِ بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَعَيْنُ الزَّوْجِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لَهَا حَتَّى يَكُونَ التَّحَزُّنُ بِفَوَاتِهِ بَلْ كَانَ مَقْصُودُهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّعْمَةِ وَذَلِكَ يَفُوتُهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهَا نِعْمَةٌ بَلْ تَخَلَّصَتْ مِنْ الْحَرَامِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا.
وَصِفَةُ الْحِدَادِ أَنْ لَا تَتَطَيَّبَ وَلَا تَدَّهِنَ وَلَا تَلْبَسَ الْحُلِيَّ وَلَا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ التَّزَيُّنُ، وَهُوَ ضِدُّ إظْهَارِ التَّحَزُّنِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ رَغْبَةِ الرِّجَالِ فِيهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً وَلَا ثَوْبَ عَصَبٍ وَلَا خَزٍّ لِتَتَزَيَّنَ بِهِ قِيلَ هُوَ الْبُرْدُ الْيَمَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْقَصَبُ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَ الْقَصَبَ وَالْخَزَّ الْأَحْمَرَ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ذَلِكَ لَا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَأَمَّا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا تَدْهُنُ رَأْسَهَا لِزِينَةٍ فَإِنَّ الدُّهْنَ أَصْلُ الطِّيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَيَصِيرُ غَالِيَةً وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ الدُّهْنَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي بِأَنْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا فَصَبَّتْ عَلَيْهِ الدُّهْنَ جَازَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَمْنَعُ التَّدَاوِي وَإِنَّمَا تَمْنَعُ مِنْ التَّزَيُّنِ.
وَلَا تَكْتَحِلُ لِلزِّينَةِ أَيْضًا فَإِنْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَكْتَحِلَ بِالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَتْ الْبَابَ دَعَاهَا فَقَالَ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَقْصِدُ الزِّينَةَ بِالِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهَا الزِّينَةَ فَمَنَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرِيدَ الزِّينَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ سِتْرِ عَوْرَتِهَا، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ سِوَى هَذَا الثَّوْبَ فَمَقْصُودُهَا السِّتْرُ لَا الزِّينَةُ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَطَيَّبَ وَتَتَزَيَّنَ بِمَا أَحَبَّتْ مِنْ الثِّيَابِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ مَا فَاتَتْ بَعْدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَالتَّزَيُّنُ مِمَّا يَبْعَثُهُ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا فَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إلَيْهِ أَيْضًا.
فَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا فَارَقَهَا أَوْ تَوَفَّى عَنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَّقِيَ فِي عِدَّتِهَا شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ لِأَنَّ الْحِدَادَ فِي الْعِدَّةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَهِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ الشِّرْكِ وَاَلَّذِي تَتْرُكُ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.
(قَالَ) وَتَتَّقِي الْمَمْلُوكَةُ الْمُسْلِمَةُ فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي مِنْهُ الْحُرَّةُ إلَّا الْخُرُوجَ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الشَّرْعِ كَالْحُرَّةِ وَإِنَّمَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ لِحَقِّ مَوْلَاهَا فِي خِدْمَتِهِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي تَطَيُّبِهَا وَتَزَيُّنِهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا.
(قَالَ) وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيَّةِ أَنْ تَتَّقِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ كَالْبَالِغَةِ وَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَحُرْمَتُهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَصْلُ الْعِدَّةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا فَرَاغَ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ الْحِدَادُ فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِحَقِّ الشَّرْعِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْحِدَادِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحِدَادُ فِي مَعْنَى شُكْرِ النِّعْمَةِ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّحَزُّنِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ شَرْعًا بِخِلَافِ أَصْلِ الْعِدَّةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالِاعْتِدَادِ وَلَكِنَّ الْوَلِيَّ يُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوَجُّهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحِدَادِ فِيهَا.
(قَالَ) وَلَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا اتِّقَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ السَّيِّدِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ الْعِتْقِ وَفِيهِ تَخَلُّصُهَا مِنْ الرِّقِّ وَوُصُولُهَا إلَى نِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَفُوتُهَا بِهَا شَيْءٌ مِنْ النِّعْمَةِ لِتَأْسَفَ عَلَى ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْ حَالِ الْوَطْءِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْلَى فَقَدْ كَانَ بِسَبَبٍ هُوَ عُقُوبَةٌ فِي حَقِّهَا، وَهُوَ الرِّقُّ فَلَا يُعَدُّ نِعْمَةً وَكَرَامَةً وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ فَعِدَّتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهِمَا فَكَذَلِكَ لَا يُمْنَعَانِ مِنْ التَّزَيُّنِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ لَوْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَوَّفَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ.
(قَالَ) رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ وَقَدْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ وَتَتَطَيَّبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ وَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي أَصْلَ النِّكَاحِ يُنَافِي أَثَرَهُ وَلِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَطَيَّبَ لَهُ وَتَتَزَيَّنَ لِيَزْدَادَ رَغْبَةً فِيهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عِدَّةٍ فَجَعَلْنَاهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالْمُعْتَدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ تَتَّقِي الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِ النِّكَاحِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحِدَادَ لَا يَلْزَمُهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَكَيْفَ يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَبِالْعِتْقِ إنَّمَا يَفُوتُهَا الْحِلُّ الَّذِي كَانَ قَائِمًا قَبْلَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَتَطَيَّبُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَوْلَى عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ حِينَ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ بَلْ بِسَبَبِ الْعِتْقِ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْمُتْعَةِ وَالْمَهْرِ:

اعْلَمْ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمُتْعَةِ فِي فُصُولٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ حَتْمًا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَلَمَّا أَمَرَ شُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُطَلِّقَ بِأَنْ يُمَتِّعَهَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أُمَتِّعُهَا بِهِ فَقَالَ إنْ كُنْت مِنْ الْمُحْسِنِينَ أَوْ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَمَتِّعْهَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُسْقِطً لَا مُوجِبٌ وَلَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَزَالَ الْمِلْكَ لَا إلَى أَثَرٍ فَكَيْف تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ.
(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَضَافَ الْمُتْعَةَ إلَيْهِنَّ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ ثُمَّ قَالَ حَقًّا وَذَلِكَ دَلِيلُ وُجُوبِهِ وَقَالَ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَكَلِمَةُ عَلَى تُفِيدُ الْوُجُوبَ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا تَنْفَكُّ عَنْ الْوَاجِبِ لَهَا كَمَا إذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ مُسَمًّى.
ثُمَّ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْمَسِيسِ إذَا كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَنَا لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ وَلَيْسَ لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَجَعَلَ كُلَّ الْوَاجِبِ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ النِّكَاحِ فَأَمَّا الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهَا بِالدُّخُولِ فَتَبْقَى الْمُتْعَةُ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ وَهُنَا بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمُتْعَةِ هُنَا.
.
(وَلَنَا) أَنَّهَا إنَّمَا اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَى زَوْجِهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ مَعَ ذَلِكَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ مُعَاوَضَةٍ وَبَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَرْضِ لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَأَنْ لَا تُجَامِعَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى أَوْلَى وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ خَلَفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ أَوَانَ وُجُوبِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا أَصْلًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِالْمِلْكِ أَصْلًا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ خَلَفًا لِأَنَّ بِالْخَلَفِ يَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْحُكْمِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ بِحَالٍ.
وَإِذَا وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ فَهِيَ لَا تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الْأَصْلِ فَتَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ فَدَلَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَتْ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ الْمُسَمَّى فَكَمَا أَنَّ فِي النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ لَا يَجِبُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا.
(قَالَ) وَأَدْنَى مَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ شَيْءٌ نَفِيسٌ يُعْطِيهَا الزَّوْجُ تَذْكِرَةً لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَاسْمُ الْمَتَاعِ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ وَتَقْدِيرُ الْمُتْعَةِ بِالثِّيَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَرْفَعُ الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ وَأَوْسَطُ الْمُتْعَةِ الْكِسْوَةُ وَأَدْنَاهَا النَّفَقَةُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُتْعَةِ حَالَةُ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ هَذَا فِي الْمُسْتَحَبَّةِ فَأَمَّا فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَلِكَ فِي الْمُتْعَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهِ أَوْ بِحَالِهَا فِيمَا يَكُونُ وَاجِبًا.
وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَفِي الْمُسْتَحَبِّ هَذَا لَا يَكُونُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ.
فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا وُجُوبُ جَمِيعِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي فَوَّتَ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلْبَدَلِ كَمَا إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِخِيَارٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ لِمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الطَّلَاقَ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى كَمَا يُسْقِطُ جَمِيعَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ بِالطَّلَاقِ هُنَا لَا يَسْقُطُ إلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مُتَأَكَّدٌ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى إبِلٍ سَائِمَةٍ وَحَال الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا نِصْفُ الزَّكَاةِ وَلَوْ سَقَطَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى ثُمَّ وَجَبَ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ لَمَا لَزِمَهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُسَمَّى وَإِنْ تَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ عِنْدَنَا هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَلِيُّهَا حَتَّى إنَّ عَلَى مَذْهَبِهِ إذَا أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُسْقِطَ نَصِيبَهَا يُنْدَبُ الْوَلِيُّ إلَى إسْقَاطِ ذَلِكَ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ لَهَا أَوْ عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إسْقَاطَ حَقِّهَا عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُنْدَبُ إلَى الْعَفْوِ بِأَنْ تَقُولَ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِي شَيْئًا فَلَا آخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَرْت فِرَاقَهَا فَلَا أَمْنَعُهَا شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْوَلِيِّ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فَاسِدٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى.
وَلَكِنَّا نَقُولُ تَنَصُّفُ الْمُسَمَّى ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُسَمَّى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّمَا لَهَا الْمُتْعَةُ بِالنَّصِّ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ أَوْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ إمَّا لِمُرَاعَاةِ حَقِّ النِّكَاحِ أَوْ لِيَكُونَ خَلَفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ خَلَفَهُ.
وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْمُتْعَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْحُرِّ فِي سَبَبِ وُجُوبِهِمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ فَكَذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ.
(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ فَرَضَ لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا وَلَمْ يَفْرِضْ لِلْأُخْرَى وَاَلَّتِي سَمَّى لَهَا مَهْرًا لَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا وَمَهْرُ مِثْلِهِمَا سَوَاءٌ فَلَهُمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا سَوَاءً لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَى الَّتِي سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلِلْأُخْرَى مَهْرٌ كَامِلٌ لِتُقَرَّرْ نِكَاحِهَا بِالْمَوْتِ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَى الَّتِي لَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا فَيَسْقُطُ جَمِيعُ مَهْرِهَا فَمَهْرٌ وَاحِدٌ لَهُمَا بِيَقِينٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ الْوَاجِبُ مَهْرًا وَرُبْعَ مَهْرٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ.
(قَالَ) فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ مَعْرُوفَةً فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَى صَاحِبَتِهَا فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ فَأَعْطَيْنَاهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ وَلِلْأُخْرَى نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقَعَ عَلَيْهَا كَانَ لَهَا جَمِيعُ مَهْرِ مِثْلِهَا فَأَعْطَيْنَاهَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَهَا نِصْفُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَهَا جَمِيعُ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْمُتْعَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ وَقَدْ اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُتْعَةِ.
وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ بُضْعِهَا فَلَا يُجَامِعُهَا بَدَلٌ آخَرُ كَقِيمَةِ الْمَبِيعِ إذَا وَجَبَتْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ مَعَهُ بَدَلٌ آخَرُ كَذَا هُنَا (قَالَ)، وَإِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا مَهْرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا بِنِصْفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا بِالْهِبَةِ اسْتَهْلَكَتْ الصَّدَاقَ فَكَأَنَّهَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَتْهُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقْصُودُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا آخَرَ عِنْدَ الطَّلَاقِ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ لَمْ يَجِبْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَقَاصِدِهَا فَإِذَا كَانَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا حَاصِلًا فَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الصَّدَاقُ عَيْنًا فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وُهِبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ الْقِيَاسُ أَنَّ هَذَا وَهِبَتُهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَقْصُودُ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ بِعَوْدِ الصَّدَاقِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ (قَالَ) وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وُهِبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عِنْدَ الطَّلَاقِ هُنَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْمَقْبُوضِ وَلَكِنَّ الْخِيَارَ إلَيْهَا تُعْطِيهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَتْ فَهِبَتُهَا هَذَا الْمَقْبُوضَ مِنْهُ كَهِبَتِهَا مَالًا آخَرَ، وَفِي الْأَوَّلِ حَقُّ الزَّوْجِ عِنْدَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ عَادَتْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وُهِبَتْهَا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ النُّفُوذَ فِي الْعُقُودِ يَتَعَيَّنُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ زُفَرَ إحْدَاهُمَا مِثْلُ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَخْرُجُ هَذَا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ.
(قَالَ) وَلَوْ قَبَضَتْ مِنْهُ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ لَهُ النِّصْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى- صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هِبَةَ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَطٌّ مِنْهُ وَالْحَطُّ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَخْرُجُ بِهِ الْمَحْطُوطُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا بَقِيَ وَقَبَضَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فِيمَا وَهَبَتْ، وَفِيمَا قَبَضَتْ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَلَمْ تَهَبْ مِنْهُ الْبَاقِيَ حَتَّى طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِسَبَبِ الْهِبَةِ وَالْهِبَةُ تَبَرُّعٌ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ وَلِأَنَّ مِلْكَهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَوِيٌّ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ ضَعِيفٌ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فَيُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ مِمَّا قَوَّى مِلْكَهَا فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُقَرِّرٌ لِلْمِلْكِ.
وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ مِلْكُهَا فِي الْمَقْبُوضِ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ النِّصْفُ الَّذِي سَلِمَ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا وَهَبَتْ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مَجَّانًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبْت لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي كَانَ يَسْلَمُ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنَّمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ.
وَعِنْدَهُمَا يَرْجِع عَلَيْهَا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ.
(قَالَ) وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ كُلَّهُ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وُهِبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا سَلِمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلِ الْمَالِكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَكَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لِلصَّدَاقِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَاعَتْ الصَّدَاقَ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّ الْعَيْنَ إنَّمَا وَصَلَتْ إلَيْهِ بِبَدَلِ عَقْدِ ضَمَانٍ (قَالَ) وَلَوْ وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَجْنَبِيِّ بِتَسْلِيطِهَا كَقَبْضِهَا بِنَفْسِهَا.
(قَالَ) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقُضِيَ لِلزَّوْجِ بِنِصْفِهِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اعْوَرَّ أَخَذَ نِصْفَهُ وَضَمَّنَهَا نِصْفَ الْعَوَرِ لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ، وَهُوَ مِلْكٌ مَضْمُونٌ لَهُ فِي يَدِهَا فَكَانَ كَالْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَقْبِضْ نِصْفَهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَاحِشٌ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْ الزَّوْجَ نِصْفَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا لِأَنَّ مِلْكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ كَمِلْكِهَا فِي جَمِيعِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى تَعَيَّبَ فِي يَدِ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْكُلَّ نَاقِصًا وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ فِي النِّصْفِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ جَازَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ لِأَنَّ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ عَادَ الْمِلْكُ فِي نِصْفِهِ إلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا (قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ فِي عُقْدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَوَاحِدَةٌ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْهُنَّ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ بِأَنْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثَّلَاثِ فَيَجِبُ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ ثُمَّ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ مَهْرٍ وَأَقَلُّ مَالِهِنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ ثُمَّ يَسْقُطُ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ فَقَدْرُ مَهْرَيْنِ وَنِصْفٌ لَهُنَّ بِيَقِينٍ، وَمَهْرٌ وَاحِدٌ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ إلَّا سُدُسَ ثُمُنِ مَهْرٍ لِأَنَّ نِكَاحَ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِيَقِينٍ.
فَإِنْ صَحَّ مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ حِصَّتُهَا رُبْعُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثُمُنُ الْمَهْرِ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَهْرِ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرِ حِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ ثُلُثُ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَهُوَ سُدُسُ مَهْرٍ انْكَسَرَ الْمَهْرُ بِالْأَسْدَاسِ وَالْأَثْمَانِ فَالسَّبِيلُ أَنْ تَضْرِبَ السِّتَّةَ فِي ثَمَانِيَةٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى سَبْعَةُ أَثْمَانٍ وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَمِقْدَارُ أَرْبَعِينَ لَهَا بِيَقِينٍ وَالسُّهْمَانُ تَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَتَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهَا وَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ إلَّا سُدُسَ ثُمُنِ مَهْرٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَثُمُنَا مَهْرٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ مَهْرٍ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ إنْ صَحَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ أَصَابَهُنَّ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْحِرْمَانِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصْفِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ فَيَبْقَى لَهُنَّ مَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَثْمَانٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَهْرٌ وَثُمُنَا مَهْرٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ مَهْرٍ وَلِلثِّنْتَيْنِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَقَدْ كَانَ لَهُمَا مَهْرَانِ وَأَصَابَهُمَا حِرْمَانُ ثُلُثَيْ النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ فَيَبْقَى لَهُمَا مَهْرٌ وَثُلُثَانِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَكَانَ لَهُمَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ لِلْوَاحِدَةِ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ مِيرَاثِ النِّسَاءِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِهِمَا لِلثَّلَاثِ مِنْ الْبَاقِي تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا (قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَأَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ بِأَنْ كَانَ السَّابِقُ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فَوَجَبَ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ ثُمَّ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بِأَنْ كَانَ السَّابِقُ نِكَاحَ الثِّنْتَيْنِ فَوَجَبَ مَهْرَانِ ثُمَّ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ فَمَهْرٌ وَنِصْفٌ لَهُنَّ بِيَقِينٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ مُهُورٍ وَنِصْفٍ وَذَلِكَ مَهْرَانِ يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ فَأَمَّا مَهْرٌ مِنْ ذَلِكَ لَا دَعْوَى فِيهِ لِلثِّنْتَيْنِ، وَالْفَرِيقَانِ الْآخَرَانِ يَدَّعِيَانِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ فِي مَهْرٍ وَنِصْفٍ فَكَانَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا فَيُسَلَّمُ لِلثِّنْتَيْنِ نِصْفُ مَهْرٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَلِلْأَرْبَعِ مَهْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَنِكَاحُهُنَّ يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَهْرٌ وَسُدُسُ مَهْرٍ وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ وَنِكَاحُهُنَّ يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ وَالثِّنْتَانِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَنِكَاحُهُمَا صَحِيحٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُمَا ثُلُثُ ذَلِكَ، وَهُوَ نِصْفُ مَهْرٍ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا لِكُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثُهُ رُبْعًا كَانَ أَوْ ثُمُنًا لِأَنَّ حَالَهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ.
(قَالَ) وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِامْرَأَتَيْنِ لَا يُعْرَفَانِ بِأَعْيَانِهِمَا ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَطَلَّقَ الْأُخْرَى مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعْنَاهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ وَإِقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِفَسَادِ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَبَعْدَ مَا صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فَاسِدٌ وَالْبَيَانُ يَكُونُ تَارَةً بِالنَّصِّ وَتَارَةً يَكُونُ بِالدَّلِيلِ فَلَا مَهْرَ لِلْأَرْبَعِ وَلَا مِيرَاثَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ وَلِلْوَاحِدَةِ جَمِيعُ مَهْرِهَا لِأَنَّهُ مَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِهَا، وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ كَانَ لَهَا سِتَّةٌ فَلِهَذَا أَعْطَيْنَاهَا خَمْسَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلثَّلَاثِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثَا الْمَهْرِ ثَمَانِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا سِتَّةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ نِصْفُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِثَلَاثٍ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعَلَى الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ عِدَّةُ النِّسَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِتَوَهُّمِ الدُّخُولِ وَالطَّلَاقِ بَعْدَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَهَذَا الْجَوَابُ كُلُّهُ غَلَطٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا فِي حَقِّ الْوَاحِدَةِ فَجَوَابُهُ فِي الْمِيرَاثِ غَلَطٌ لِأَنَّ نِكَاحَهَا إنْ صَحَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقَانِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَهُمَا مُتَعَيِّنَتَانِ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْوَاحِدَةِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ نِكَاحُ الثَّلَاثِ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ فَمِقْدَارُ الثَّلَاثِ لَهَا بِيَقِينٍ وَالثُّلُثَانِ ثَابِتَانِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ، وَفِي الثَّلَاثِ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَهْرِ غَلَطٌ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثَا الْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَهْرِ فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَقَدْ تَقَرَّرَ مَهْرَانِ بِالدُّخُولِ لِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَالثَّالِثَةُ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَلَهَا نِصْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ فَيَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ فَجُمْلَةُ مَا لَهُنَّ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ مَهْرَانِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَيَكُونُ لَهُنَّ مَهْرٌ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ لَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَفِي حَقِّ الثِّنْتَيْنِ جَوَابُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَهْرِ جَمِيعًا غَلَطٌ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا فَإِنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَفِي الْمَهْرِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ لَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ غَيْرُ سَدِيدٍ.
(قَالَ) وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ شَيْئًا وَكَانَتْ إحْدَى الثَّلَاثِ أُمَّ إحْدَى الْأَرْبَعِ وَالْحَالُ عَلَى مَا وَصَفْت لَك فَإِنَّ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ لَا يَنْقُصَانِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا مِيرَاثٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرِيقَ الَّذِي مَعَهَا نِكَاحُهُنَّ وَنِكَاحُهَا جَائِزٌ أَوْ فَاسِدٌ إذْ لَا تَصَوُّرَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ؛ فَلِهَذَا كَانَ هَذَا وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءً.
(قَالَ) وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى الثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ هُنَّ الْأُوَلُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ إحْدَاهُنَّ أَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُنَّ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَهُنَّ صَحِيحٌ فَهَذَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْبَيَانِ سَوَاءٌ ثُمَّ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
(قَالَ) وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِفَسَادِ نِكَاحِهَا إمَّا بِتَأَخُّرِ الْعَقْدِ أَوْ بِالضَّمِّ إلَى الْحَرَائِرِ، فَإِذَا فَسَدَ نِكَاحُهَا بَقِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثٌ وَاثْنَتَانِ، فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ وَوَجَبَ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ ثُمَّ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ.
وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ فَقَدْرُ مَهْرٍ وَنِصْفٍ يَقِينٍ وَمَهْرٌ وَاحِدٌ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِيهِ لِيَكُونَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فِي مَهْرٍ وَنِصْفٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا تَخْرِيجُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ حَالِ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ وَيَتَّضِحُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.